قصتي المؤلمة: اكتشفت خيانة أبي فرفضني أهلي، ثم أصابني السرطان وتخلى عني زوجي
باعوني أهلي وتخلى عني زوجي بعد مرضي بالسرطان فكيف واجهت مصيري وحيدة؟
تقول صاحبة القصة، فترة طفولتي عشت طفولة عادية جداً، وتعتبر مثل أغلب طفولة الناس، لكن أنا مشكلتي خجلي الشديد، وهذا الشيء اللي مخليني عرضة للتنمر. عانيت من التنمر طول مرحلة الابتدائية والمتوسطة. والمشكلة البنات اللي كانوا يتنمرون علي هم نفسهم اللي أعتبرهم صديقات. وبحكم إن شخصيتي كانت جدًا ضعيفة ما كنت أرد عليهم، أو خلونا نقول سمعتي صارت بكل المدرسة إني ضعيفة الشخصية، وكان أي واحدة تتنمر علي حتى لو ما تعرفني. هذا الشيء أثر فيني مرة وخلاني أكره المدرسة.
كنت دائمًا مترددة إني أعلم أهلي. أنا وأبوي علاقتنا ما كانت قريبة، عكس علاقتي بأمي، جدًا قوية وحلوة، لكن ما كنت أتجرأ أصارحها بأغلب أسراري، رغم إن أمي حنونة، لكن مشكلتها إنها عصبية، وتعصب على أتفه الأشياء، ودائمًا تلقي علينا اللوم بأي مشكلة. كل هذه الأسباب خلتني أخجل إني أواجه أهلي بالمشكلة.
بدأت قصتي الحقيقية فترة الثانوي، خصوصًا بعد ما جاء تعيين أبوي بمدينة غير المدينة اللي كنا ساكنين فيها. نقلنا هناك، ونقلتنا هناك يعني بداية جديدة، حياة جديدة بالنسبة لي، مدرسة جديدة، صاحبات جدد. حرصت بهذه الفترة إني أحاول أعالج خجلي وقلة ثقتي بنفسي اللي كانت نتيجة التنمر. حاولت أصلح أغلب الأخطاء اللي كانت فيني، حاولت أعدل تصرفاتي، شخصيتي الضعيفة. وبصراحة أقدر أقول إني نجحت.
وبدأت مرحلة الثانوي، وأعتبرها كانت أفضل مرحلة في حياتي. كونت صداقات، كسبت احترام الطالبات، المعلمات. بدأت أكسر حاجز الخجل شوي شوي. لما صار عمري 17، بديت ألاحظ انقلاب حالة عيلتي. بعد ما كنا نعتبر عائلة سعيدة، خالية من المشاكل، صرنا عائلة كل يوم مشكلة، بالتحديد بين أمي وأبوي. بهذه الفترة كان مستحيل يمر يوم بدون مشكلة، مستحيل. كرهت البيت والجلسة معاهم. أعرف إنه غلط والمفروض ما أقول شيء زي كذا، لكن أنا أتوتر وقت مشاكلهم. كنت أحس نفسي عاجزة، خصوصًا إني أنا الكبيرة، وما عندي الجرأة إني أدخل بالمشكلة، فكان هذا الشيء يأثر مرة على نفسيتي. هذه الفترة كرهت البيت، وصارت المدرسة هي الملجأ الوحيد لي، بعد ما كان العكس. وهنا اكتشفت شغلة.
بعد هذاك اليوم، بالصدفة، سمعت أبوي قاعد يكلم واحدة، وكلام خالي من الرسمية، وواضح إن فيه ميانة. جاتني رجفة وبديت أفكر، وأقول معقولة أبوي يسويها؟ قلت بداخلي لازم أتأكد. هذيك الفترة حطيت كل تركيزي على أبوي. قدرت إني ألقط باسورد جواله، وبلحظة ما كان منتبه فيها فتشت الجوال، وهنا كانت المصيبة. لقيت رسائل ومحادثات وكلام وهدايا. طلع أبوي متزوج على أمي، ومن ثلاث سنوات. وبهذيك اللحظة حطيت قلبي في لحظة ترقب، وبدأت دموعي تنزل لا إرادي. أخذت جوالي وصورت كل المحادثات والرسائل، ورجعت الجوال. بهذيك الفترة كنت بصراع كبير مع نفسي، كيف راح أتصرف؟ وبصراحة ما كنت عارفة كيف أتصرف، بالذات في موضوع زي كذا.
بديت ما أطيق أبوي. بدأ العام الدراسي وما زلت بنفس الحيرة. كنت خايفة من مواجهة أبوي، أو بالأصح ما كانت عندي الجرأة إني أفتح الموضوع. كنت دائمًا أتردد إني أعلم أمي، وبكل مرة كنت أخاف. بدأت السنة الدراسية، وكانت آخر سنة دراسية لي. كان عندي آمال كبيرة بالدرجات، لأنه من وأنا صغيرة أحلم بتخصص الطب. حاولت أركز على دراستي، وأشغل تفكيري فيها.
بهذيك الفترة سيطر الاكتئاب علي. من جانب أشوف أبوي كيف قاعد يخون ثقتنا فيه ويدمر أسرته بيده. ومن جانب آخر سنة، اختبارات، توتر. في يوم من الأيام، كنت جالسة أقلب مواقع التواصل الاجتماعي، طلع لي واحد يغني، كان صوته حلو، والأغنية اللي كان يغنيها كنت أنا أحبها. عدت الفيديو مرة واثنين وثلاث، دخلت على الحساب، بديت أشوف باقي الفيديوهات، كلهم كان يغني فيهم، وجهه ما كان باين. لاحظت إنه حاط في البايو المدينة اللي إحنا عايشين فيها. وما أعرف إيش اللي خلاني بهذيك اللحظة أدخل على الخاص وكتبت له: "الأغنية اللي غنيتها جدًا جميلة، حسيت صوتك فصلني من ضجيج الدنيا، وفصلني من همها، أنت فعلًا موهبة." أرسلت هذه الرسالة وسكرت الجوال. مرت قرابة أسبوع، وبحكم انشغالي بالدراسة وروتيني اليومي، نسيت عن موضوع الرسالة. بعد أسبوع رحت للمحادثة، لقيته رد علي. قال: "شكرًا على كلامك، وأنصحك ما في شيء بالعالم يستحق يسرق منك ضحكتك وسعادتك." ابتسمت لا إرادي. رديت عليه بكل رسمية وانتهى النقاش. تمر الأيام، رسائلنا بدأت تزيد، واكتشفنا خلال هذه الفترة كيف شخصياتنا متشابهة، وبديت أتعلق، مع الأسف. وبديت أحس إنه جزء من يومي. قال لي قصته وكل تفاصيل حياته. طلع ساكن بنفس المدينة معايا، وأكبر مني بثلاث سنوات. وقتها كان يدرس بكلية العلوم. ساكن مع أبوه وأمه وعنده أخت. وقال لي كل تفاصيل حياته وأسراره. حسيت صار لي أقرب من أهلي، ويفهمني أكثر منهم.
بيوم من الأيام قال لي عن قصة أخوه اللي فقده بحادث سير، فقده من ست سنوات. ومن ذاك الوقت قال لي كيف هو تغير وأدرك إن الحياة مو عبارة عن شيء، وإنه بأي لحظة ممكن كل شيء ينقلب. قصته وكلامه أثر فيني، وخلاني أتعلق فيه أكثر وأكثر. أنا فتحت له قلبي بالمقابل، وحكيت له قصتي، وقلت له عن الموضوع اللي شاغل بالي. حبيت احترامه وتفاؤله، حسيت إني وثقت فيه. كأني أخيرًا لقيت شخص يفهمني، أعبر له براحتي، بدون ما يحكم علي أو يعاتبني، أو حتى يقسى علي. طلبتها يعطيني حل للموضوع، وأعطاني اقتراح. يا إني أواجه أبوي أول شيء وأعلمه إني أعرف، أو إني أخبي السر هذا بقلبي. قلت له بفكر، وهو ما ضغط علي، وتفهمني.
مرت الأيام، وجاء آخر يوم اختبارات. كنت سعيدة، سعادة لا توصف. رجعت للبيت وأنا مشاعري مختلطة، بين حزني على فراق صحباتي، وبين فرحتي بتخرجي. دخلت البيت وأتفاجأ بصوت صراخ. طلعت أركض باتجاه الصوت. وأول ما شافتني أمي، بدأت تبكي وتصارخ: "تزوج علي!" السر انكشف. بهذيك اللحظة كل ذرة سعادة وحماس بقلبي اختفت. تحولت لحزن، ألم، كسرة. أمي اكتشفت إن أبوي متزوج عليها، أخذت كل أغراضها وراحت لبيت أهلها. أبوي حاول يراضيها، وطلق زوجته الثانية، لكن أمي رفضت، وكانت تبغى الطلاق. وقالت له: "لو ما طلقتني برفع عليك قضية." وأبوي هنا استجاب لرغبتها، رغم وضوح الندم عليه. بهذيك الفترة، دخلت بحالة اكتئاب، خصوصًا مو شيء سهل إنك تشوف أسرتك تتفكك وتتدمر. وما حصلت أي قبول بكلية الطب. كان الأمر أشبه بإن حياتي تدمرت.
الشخص اللي أكلمه هو شريكي في وحدتي، وهو الأمل اللي متمسكة فيه. بهذيك الفترة أنا وهو تعلقنا ببعض، واعترف لي بمشاعره وأنا كمان. كان حبه طاهر ونظيف وبريء. عوضني عن الكل، النقص اللي واجهته. مرت أكثر من سنة من طلاق أمي وأبوي. الحمد لله انقبلت بكلية الطب، بس مو الجامعة اللي كنت أبغاها، لكنها جامعة تعتبر ممتازة. خلال هذه الفترة، كنت ألاحظه يلمح لي بالزواج، وإنه يحب يكون معايا أسرة. مرت سنتين بعد السنة هذه. يعني الآن أنا بالسنة الثالثة في الجامعة، وهو تخرج وتوظف بنفس الجامعة اللي أنا أدرس فيها. وكلمني وقال إنه هو حاب يخطبني. ما أوصف لكم فرحتي. أعطيته رقم أبوي. واتفقنا إذا سأل كيف تعرفنا على بعض، يقول إنه شافني بالجامعة بحكم شغله يعني.
مر أسبوع ومحمد خطبني من أهلي. بس الصدمة إن أمي وأبوي الاثنين رفضوها، حتى بدون تفكير. بحجة إن أبوي ما يزوج بنته من برا القبيلة، وبحجة مستواه المادي اللي يعتبر أقل منا. بالرغم من كونه موظف وعنده بيت باسمه. ما أقدر أوصف لكم شعوري بهذيك اللحظة. اللي يحبني ما استسلم، وخطبني أكثر من مرة من أهلي، وكل مرة نفس الشيء. كانت هذيك الفترة أبدًا مو سهلة لا علي ولا عليه. كنا كلنا الاثنين جالسين نتعذب. وفي المرة الأخيرة اللي خطبني فيها، كانت أول مرة أوقف بوجه أمي وأبوي، وقلت لهم إني أنا أبغاه. ما أوصف لكم كيف كانت ردة فعلهم. لكني كنت مصرة جدًا على زواجي منه. وقلت لهم وين راح أحصل مثله، واضح الرجال شاريني، ويبغاني، والدليل إنه ما استسلم، وحاول أكثر من مرة. أبوي وقتها عصب وطلع من البيت. تسكر الموضوع بهذاك اليوم. واخترت إني ما أقول للشخص اللي خطبني أي حاجة. اليوم اللي بعده استغربت إن أبوي جاي لبيت أهل أمي، ونادوني هو وأمي، وقالوا لي بالحرف الواحد: "إذا اخترتي هذا الآدمي، اعتبري إنه ما عندك أهل." ما أوصف لكم صدمتي، جلست أبكي وأحاول فيهم. فجأة أنصدم بالكف من أبوي. كانت هذه أول مرة يمد يده علي. وقال لي: "أنا ما أزوج بنتي لرجال كانت معاه على علاقة." انصدمت وقتها وحسيت الدم تجمد فيني. قلت له: "كيف؟ ومين قال؟" قالت أمي: "يا بنتي إحنا مو أغبياء ونفهم كل شيء. الرجال واضح من إصرارك إنت وإياه إن اللي بينكم مو مجرد إعجاب من بعيد."
أمي كانت حنونة وتحاول تقنعني بطريقة سلسة يعني، لكن أبوي كان العكس تمامًا. بهذيك اللحظة ما عرفت كيف أرد عليهم، وسكوتي كان دليل قاطع على اعترافي بالذنب. قال أبوي: "اسمعي، لو تزوجتي من هذا الآدمي، انسى إنه عندك أهل." بديت أبكي وأترجاه. بعرف إنكم تستغربون، وتسألون نفسكم لهالدرجة تحبينه؟ مستعدة تضحين بكل شيء؟ إي. الآدمي صار لي كل حاجة بحياتي، صار لي العوض، السند. بهذيك اللحظة أبوي حلف إنه راح يزوجني إياه، لكن بعد زواجي منه أعتبر نفسي من غير عائلة. بصراحة حاولت أواسي نفسي بداخلي، وأقول مستحيل يقطعوني، وبالنهاية هذول أهلي، راح يحنون علي. رديت على أبوي وقلت له: "أنا موافقة." بهذيك اللحظة ما أسمع إلا شهقات أمي، دموعها. قالت: "أنا ما توقعتها منك أبدا. تبيعين أهلك عشان رجال؟ والله يا خسارة تربيتي فيك."
حاولت أصبر نفسي وأقول مستحيل، مستحيل أهلي يتخلون عني. تزوجنا. كان زواج جدًا بسيط، وبدون تكاليف، بدون حفل زفاف كبير. أهلي حضروا أكيد مو محبةً فيني، بس عشان كلام الناس. انتهى الحفل. مرت سنة على زواجي. وفعلاً كان عند حسن ظني. كان لي سند وصديق وزوج وكل شيء. ما كان ينقص علي بأي شيء. بالرغم من مستواه المادي المتوسط، لكن ما في سعادة كاملة. خلال هذه السنة حاولت أتواصل مع أهلي أكثر من مرة، لكن كل مرة ألقى بابهم يتسكر في وجهي. ما أخفي عليكم، اشتقت لوجود أهلي وإخواتي، ولأمي. لكن زوجي كان يحاول يبذل كل جهده عشان يعوضني، وكان دائمًا يواسيني، يقول: "بكرة الحفيد يجي ويحنن قلبهم."
مرت الأيام، وحملت. كان أسعد خبر تلقيناه بحياتنا. كان زوجي طاير من الفرحة، تحسونه ملك الدنيا بين يده. كان الحماس واضح وطاغي. دخلت شهري الثاني، والحمل ثبت. وقررت لأول مرة بعد فترة طويلة أزور أهلي. توجهت لبيت أهل أمي، بحكم إنها خلاص تطلقت من زمان وهي ساكنة عندهم. دخلت المجلس، شوية إلا أمي دخلت. وقفت مصدومة. سألتني بنبرة تحاول تبين إنها قاسية، قالت لي: "إيش جابك؟ وليش جيتي بهذه اللحظة؟" بديت أبكي، وأترجاها تسامحني. أمي كانت تبكي، لكن جرحها مني ما زال قائم. قلت لها: "أمي، بتخليني وأنا حامل؟" بهذه اللحظة، شفت عيون أمي كيف توسعت، وابتسمت. قالت لي: "أنت حامل؟" قلت لها: "إيوه." حضنتني. والله وكيلكم حفلة دموع هذاك اليوم. بهذيك الفترة بدأت علاقتي تتحسن تدريجيًا مع أمي، لكن مهما أحاول أصلح علاقتي مع أبوي، كان رافض تمام الرفض.
مرت أول أربع شهور، وبديت أحس بأعراض غريبة. آلام مفاجئة، تعب، إرهاق، آثار غريبة بجسمي. بدا شكلي يتغير، والكل من حولي لاحظ تعبي. كنت أتوقع إنه من الحمل، لكن بوحدة من مراجعاتي، حكيت لدكتورتي عن كل الأعراض اللي أحسها. وردة فعل الدكتورة وترتني. طلبت مني بعض الفحوصات، سويتها، كان زوجي واقف معايا، كان الداعم الأول لي. مر يومين، جاتني رسالة بإن الفحوصات طلعت، لكن لازم أروح أقابل الدكتورة. حسيت بتوتر وغصة غريبة. بحكم إني درست الطب العام، عندي فكرة عن الأعراض اللي قاعدة أمر فيها. كنت أتمنى إني أكون على خطأ. بدأت الدكتورة تتكلم، وتحاول تفتح كلامها بـ... مثل: "إحنا راضيين بقضاء الله وقدره"، ومن هذا الكلام. التوتر عندي زاد. سألتها: "البيبي فيه شيء؟" قالت: "لا لا لا، الحمد لله الطفل سليم وما فيه أي شيء، لكن أنت مصابة بسرطان الدم. رغم ندرة إصابة المرأة الحامل، لكن أنت كنت واحدة من بين آلاف تصاب بالسرطان أثناء الحمل."
ما أوصف لكم صدمتي، تجمدت بمكاني كأن أحد صب علي موية باردة. بعد ما تعدلت حياتي، بعد ما صلحت علاقتي مع أمي، بعد ما بديت أحاول أعيش اللي كنت أطمح له من سنين، يجي خبر مثل هذا. بدا زوجي يحاول يهديني. الدكتورة أعطتني ثلاث خيارات، أختار من بينهم. الأول: إننا ننهي حياة الجنين، ونبدأ بالعلاج، لكن العلاج ممكن يأثر على قدرتي بالإنجاب مستقبلا. أو نبدأ العلاج مع الحمل، وكون إنه حملي أصبح بالشهر الرابع، يمدينا نستخدم حبوب الكيماوي، لكن حذرتني الدكتورة إنه ممكن يصير ولادة مبكرة، أو تشوه، أو عيب مناعي للطفل. والخيار الأخير، وهو الأخطر، أوقف فترة علاجي، وأحاول أستمر بحملي، رغم إنه ممكن يكون في خطورة علي.
كل خيار كان أصعب من اللي قبله. لكن خيار إني أنهي حياة ابني، هذه مستحيل. كنت مستبعدة هذا الخيار. بالرغم من إني عارفة إن مرضي خطير، وأي شهر أن أخره كان يقل فيها فرصة علاجي. كان وقتها تفكيري أناني. كل هدفي إني أجيب طفل لهذه الحياة، هو الأمل اللي كنت مقتنعة إنه بيخليني أتمسك بالدنيا. لكن ما فكرت كيف راح تكون حياة طفلي لو صار فيني شيء لا سمح الله.
زوجي بدأ يقنعني إن أهم شيء صحتي، والعيال يتعوضون. رفضت رفض قاطع قرار إني أنزل ولدي. مر أسبوع علي وأنا في حالة ما يعلم فيها إلا الله. كنت كل ليلة أقوم الليل وأبكي وأستخير كثير. بهذا الأسبوع ما علمت أحد، لا أهلي ولا أهل زوجي. وجاء اليوم الموعود. سألتني الدكتورة عن القرار اللي اتخذته. قلت لها اخترت إني أكمل حملي، وأأجل علاجي. زوجي ما كان عنده خيار غير إنه يدعمني، لأني كنت عنيدة. وقلت لزوجي لا يعلم أحد، وإني حابة أعيش شهور حملي مثل أي إنسانة طبيعية.
مرت شهور حملي، وكانت صعبة. الأعراض ما كانت تخف. وزني صار ينقص، بشرتي تعبت، ملامحي تغيرت، وبالرغم من إني كنت إنسانة يهمها مظهرها وشكلها، كان عندي عقدة من شكلي بسبب التنمر، كان شيء صعب بالنسبة لي. التغيرات كانت صعبة. بدأت نفسيتي تتعب، وثقتي بنفسي تنزل. كنت أحاول أطرد الأفكار السلبية. تعبت، أهملت زوجي والبيت. وبهذيك الفترة كانت علاقتي مع زوجي في تدهور. صار يشتكي كثير، وبدأ البرود بينا. كانت هذه إحدى أكبر الصدمات اللي حسيت فيها. الشخص اللي بعت أهلي عشانه، وضحيت بكل شيء عشان علاقتنا تنجح، بدأ يتخلى عني بأصعب الظروف.
حاولت إني أطرد الأفكار السلبية، وأركز على حملي وطفلي. وجاء يوم الولادة، وحكم إن صحتي ما تسمح لي بالولادة الطبيعية، فحاولوني عملية. وبيومها كانت أمي وأم زوجي وإخواتي معايا بالمستشفى. أمي كانت ملاحظة تغيري وتعبي، لكن كنت أتعذر لها بتعب الحمل. جاء وقت العملية، أصرت على أمي تكلم أبوي. كلمت أمي أبوي واقتنع إنه يجي. جات اللحظة اللي كنت أنتظرها من شهور. أبوي دخل علي الغرفة، وأول ما شافني دموعه نزلت. كان واضح زعله مني، واشتياقه لي بنفس الوقت. ما قال شيء، اكتفى إنه يمسك يدي ويشد عليها. قلت له أبوي سامحني إذا صار لي شيء، سامحني، ما أضمن عمري، وما أحد يعرف متى الموت ممكن يجي، ما أحد يعرف متى الموت ممكن يجي. أعرف إني جرحتك وكسرتك، لكن بالنهاية أنا ما سويت شيء غلط، تزوجت بالحلال. أبوي كان يبكي، وكان يقول أبعد الشر عنك يا بنتي، أبعد الشر. قلت له أبوي حللني وسامحني. قال أنا سامحتك ورضيت عنك.
دخلت العمليات، تمت ولادتي بطفلي سراج. ولادتي كانت صعبة، ودخلت العناية المركزة. وبحكم إن ولدي ضعيف، دخلوه الحضانة. مر أسبوع ورجعت للبيت أنا وطفلي، وبدأت مرحلة جديدة في حياتي، مرحلة الأمومة. كنت دائمًا أتهرب من العلاج، كنت أحاول أشبع من الأمومة. أمي كانت واقفة جنبي، وإخواتي كمان. مر شهر بعد ولادتي، ولدي كان مرة ضعيف، بكاءه خفيف، ودايم نايم. وبديت فصل جديد بحياتي، رحلة علاجي، علاجي من السرطان. لكن السرطان وصل مراحل متأخرة. صرحت كل أهلي بمرضي. ولا أوصف لكم الصدمة. أهلي يبكون، أهل زوجي يواسونني.
بعد مرور شهرين، علاجي ما زال قائم، وولدي كان عند أمي أغلب الوقت، بسبب إن أغلب وقتي بالمستشفى. زوجي بهذيك الفترة تغير معايا، بردت علاقتنا. كانت الحياة تضغط علي من كل جهة. لكن كان ولدي أكبر حافز، وداعم لي عشان أستمر. كنت كل ما أشوف في عيونه أشوف الأمل اللي يخليني أكمل علاجي.
لما صار عمر ولدي خمس شهور، بدأت تجيني نوبات ضيق تنفس. كان الموضوع فجأة. نقلت أمي للمستشفى اللي أنا أتعالج فيه. وبدوا يسووا له الفحوصات، ويركبوا له الأكسجين. وأول ما عرفت، حسيت الدنيا كلها جات علي. ركضت لغرفة ولدي، بحكم إنه معايا بنفس المستشفى. حضنته، ودموعي ما توقف عني. كان أبوه معانا، واللي فعلًا بديت أحس إنه أبوه بس. بآخر فترة علاقتنا كانت باردة. حسيت صار بينا ألف حاجز وحاجز. جانا الدكتور وكان وجهه أبدًا ما يبشر بالخير. كانت الساعة 3 الفجر. أنا وأمي وزوجي، قال لنا الدكتور: "قلب ولدكم ضعيف، وبحكم ضعف الأم، جاء ولدكم بقلب ضعيف، ومحتاج لعملية قلب مفتوح، لكن عمره ما يسمح لنا نسوي له العملية." كلامه كان كفيل بـ... كأنه أخذ مسدس وطلق علي، هذا اللي أقدر أقوله. بديت أنهار وأبكي وألوم نفسي، وإنه أنانيتي وحبي لطفلي، خلاني أكمل حملي رغم خطورته. وكان كلام الدكتور آخر شيء أتذكره.
فتحت عيوني، وأسمع صوت الممرضات يقولون: "صحت، نادوا الدكتور." بلحظات ما لقيت إلا أمي والدكتور والممرضات داخلين علي. كان وجه أمي ذبلان، عيونها حمراء من البكي. قالت لي: "بنتي." رديت عليها وأنا أحاول أتذكر إيش اللي صار. بديت أبكي وأقول ولدي، ولدي، ولدي وينه؟ قال الدكتور: "اهدي لا تضغطين على نفسك، أنت الآن طالعة من غيبوبة." قلت: "غيبوبة؟" قال: "أنت كنت بغيبوبة أسبوعين. ومع الأسف، المرض بدأ يوصل مراحله الأخيرة، الأمل بالله كبير." كان كلام الدكتور آخر همي. كل همي ولدي وين؟ قلت لها أمي ولدي وين؟ بدأت أسمع شهقات أمي، وقلت أمي ولدي وين؟ قالت لي: "ولدك سبقكم للجنة، طير من طيور الجنة." كلامها كان مثل الكف القوي. بديت أنهار وأبكي. حسيت بهذيك اللحظة كل الأمل اللي عندي راح. حسيت نفسي ضعيفة. حسيت ما عاد صار في أمل أتمسك فيه. الحياة صارت بدون معنى.
بهذيك الفترة بدا المرض يشتد. وبحكم حالتي النفسية، كانت استجابتي سيئة. خسرت شعري، وجهي تغير، جسمي كان كله آثار حقن وإبر وأجهزة. كنت فاقدة الأمل. كنت أقول لنفسي خلاص المرض واصل مراحل متقدمة، ولدي خسرته، زوجي اللي بعت أهلي عشانه تركني، ليش أعيش؟ مرت فترة، وبهذيك الفترة طحت على قناة باليوتيوب، واحد كان يقدم بودكاست عن الأمل والتمسك بالله، وكيف يمدينا نتغير من نفسنا ونتخطى الصدمات. كان هذاك البودكاست بمثابة تفتيح لعيوني. بديت أحاول أغير حالتي النفسية. تعلقت بربي وبصلاتي. أهلي ما قصروا لي، كانوا داعم لي. وسبحان الله بدأت حالتي تتغير وتتحسن، الأعراض تخف، حتى نفسيتي تغيرت. بعد مرور شهرين، الآن أنا قاعدة أقول لكم قصتي من فراش المرض. المرض واصل حالات متقدمة، لكن ما زال أملي بالله كبير. موت ولدي بعد ست شهور من يوم ما جبته أثر بشكل كبير. زوجي عرفت إنه تزوج علي، وكانت طعنة كبيرة بالنسبة لي. طلبت الطلاق وهو ما تردد، أرسل لي ورقة طلاقي على طول. اقتنعت إن ربي إذا أحب عبد ابتلاه. أملي بالله كبير، وثقتي بتقديره كبيرة. أم زوجي كانت معارضة طلاقنا، ودائمًا تبكي وتقول سامحيني يا بنتي. أمي وإخواتي وأبوي دائمًا معايا، وهم بعد الله الأمل الوحيد اللي مخليني أتمسك بالدنيا. تعلمت إن الحياة فيها أشياء كثير مهمة، وإنه لازم نتعلم نحب نفسنا، ونحمد ربنا على النعم، والأهل هم أهم شيء. ما أعرف متى ربي بياخذ أمانته. أتمنى تدعون لي بالشفاء، وإن ربي يجبر قلبي ويصبرني.
انتهت القصة.
عزيزي المشاهد لا تترك الموضوع بدون تعليق وتذكر ان تعليقك يدل عليك فلا تقل الا خيرا :: كلمات قليلة تساعدنا على الاستمرار في خدمتكم ادارة الموقع ... ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )