كلمة المدرّس في الطابور الصباحي عن الانتخابات والمشاركة الوطنية
خطاب وكلمة يوم الخميس عن الانتخابات والمشاركة الوطنية
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلاةً وسلامًا على خير الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبنائي الأعزاء،
زملائي الأفاضل،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصباح الخير المفعم بالأمل والطموح.
اليوم نلتقي في هذا الصباح الجميل لنفتح صفحة من صفحات الوعي الوطني، صفحة عنوانها الانتخابات والمشاركة الوطنية.
وما أحوجنا اليوم، كعراقيين، إلى أن نتحدّث بصدق عن معنى المشاركة، عن المسؤولية، عن حقّنا في أن نختار، وواجبنا في أن نشارك، لأن المشاركة هي التي تصنع الفرق، وهي التي تبني الوطن وتُعبّر عن صوته الحقيقي.
يا أبنائي الطلبة،
الانتخابات ليست فقط لمن تجاوز الثامنة عشرة، بل هي ثقافة تبدأ منذ الطفولة، وتترسّخ في البيت والمدرسة والشارع.
حين نحترم رأي الآخر، حين نصغي لمن يختلف معنا، حين نلتزم بالنظام، حين نعمل بروح الفريق — فكل هذا نوع من "الانتخاب"، نوع من الاختيار الواعي بين الصواب والخطأ، بين الفوضى والنظام، بين الأنا والمجموع.
"الوطن ما ينحبه بالحچي، الوطن ينحبه بالفعل."
كلمة بسيطة نسمعها كثير، لكنها تحمل معنى عميق.
من يحب وطنه حقًا، يساهم في بنائه، لا يتهرّب من واجبه، لا يبيع صوته، لا يسكت عن الخطأ، ولا يخاف من قول الحق.
أبنائي،
إنّ الانتخابات هي المدرسة الكبرى للمواطنة. فيها يتعلّم المواطن كيف يُعبّر عن رأيه، وكيف يتحمّل مسؤولية قراره.
والديمقراطية الحقيقية لا تُقاس بعدد الأصوات فقط، بل تُقاس بنزاهة النفوس، وباحترام القانون، وبقبول النتائج بروحٍ حضارية.
يقول أحد الحكماء:
"من لا يُشارك في صنع القرار، سيُجبر على تنفيذ قرار غيره."
وهذه الحقيقة يجب أن نفهمها جيدًا.
حين نترك المجال للآخرين ليقرروا بالنيابة عنّا، فنحن نكون قد سلّمنا زمام أمورنا بأيدينا. لذلك المشاركة ليست خيارًا ثانويًا، بل هي واجب وطني.
يا أعزائي،
أنا كمدرّس، أرى في وجوهكم الأمل، وأقرأ في عيونكم المستقبل.
أنتم جيلٌ مختلف، جيلٌ يمتلك الوعي والتقنية والعلم، فلتكن عندكم أيضًا ثقافة المواطنة والمشاركة.
أنتم من سيقود العراق بعد سنوات، أنتم من سيُدلي بصوته يومًا ويختار ممثليه، فلتكن تلك اللحظة نابعة من وعيٍ ومسؤولية، لا من مجاملةٍ أو تأثيرٍ أو عاطفةٍ وقتية.
"من لا صوت له، لا وجود له."
الصوت هو كرامتك، رأيك، موقفك، وهو ما يجعل منك مواطنًا فعّالًا لا متفرّجًا.
الانتخابات ليست يومًا واحدًا في السنة، بل هي سلوك يومي، ممارسة مستمرة.
حين تختار الصدق على الكذب، أنت تمارس انتخابًا.
حين تختار التعاون على الأنانية، أنت تمارس انتخابًا.
وحين تختار الخير على الشر، فذلك أسمى أنواع الانتخابات.
أيها الأبناء…
في مجتمعنا العراقي العزيز، نحتاج إلى أن نُربّي أنفسنا على "فن الاختلاف"، أن نختلف لكن لا نتخاصم، أن نتناقش لكن لا نتنافر.
فالوطن يسع الجميع، والأفكار المتنوعة تصنع التقدّم لا الانقسام.
قال الشاعر العراقي معروف الرصافي:
علِّموا النشءَ علماً يُنيرُ العقولَ
ويصوغُ القلوبَ حديدًا صُلبا
وهذا العلم لا يقتصر على الرياضيات أو اللغة فقط، بل يشمل أيضًا علم الوعي الوطني، أن نعرف حقوقنا وواجباتنا، أن نفهم معنى الحرية، وأن نمارسها بمسؤولية واحترام.
إخواني الطلبة،
قد تسمعون من يقول: "صوتي ما يغيّر شي، الانتخابات كلها محسومة."
وهنا أقولها بكل وضوح:
لو فكر كل إنسان بهذا الشكل، لما تغيّر شيء في التاريخ.
التغيير يبدأ بصوت، بفكرة، بموقف، بخطوة واحدة.
انظروا إلى الشعوب التي تقدّمت: لم تتقدّم بالصمت، بل بالمشاركة، بالوعي، بالاتحاد حول المصلحة العامة.
ولنكن صريحين يا أحبّتي…
الانتخابات ليست معصومة من الأخطاء، وقد يشوبها ما يشوبها، لكن المقاطعة ليست الحل، لأن من يبتعد عن المشاركة يترك غيره يقرّر مصيره.
إذن الحل أن نشارك، لكن بوعي، أن نختار الأصلح لا الأقرب، الأنزه لا الأشهر، الأكفأ لا الأغنى.
"اختار بعقلك، مو بعاطفتك، لأن الوطن ما يتحمّل تجربة كل مرة."
كلمة بسيطة لكنها تختصر فلسفة الانتخابات كلها.
أيها الأبناء الكرام،
تذكّروا دائمًا أن الوطن بيتنا الكبير، والانتخابات هي وسيلتنا لنرتّب هذا البيت.
حين نشارك في انتخاب من يخدم الناس، نكون كمن ينظّف بيته بيديه.
وحين نتهاون، كأننا نسمح للغبار أن يغطي جدرانه.
كونوا أنتم الجيل الذي لا يبيع صوته، ولا يتأثر بالشائعات، ولا ينجرّ وراء الكلام الفارغ.
كونوا الجيل الذي يسأل، يناقش، يقرأ، ويبحث عن الحقيقة بنفسه.
قال الإمام الحسين عليه السلام:
"إني لم أخرج أشِرًا ولا بَطِرًا، ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي."
وهذا هو جوهر المشاركة الوطنية — الإصلاح.
أن يكون في قلبك نية صادقة أن تُصلح، أن تُغيّر نحو الأفضل، أن تكون لبنة بناء لا حجر عثرة.
يا أبنائي…
أنتم لستم فقط طلاب علم، بل طلاب وعي ومسؤولية.
فليكن حب الوطن عندكم سلوكًا لا شعارًا، وعملًا لا كلامًا.
وحين يأتي يوم الانتخابات في المستقبل، تذكّروا هذه اللحظات، تذكّروا أن الوطن أعطاكم الكثير، فلتردّوا له الدين بالمشاركة الصادقة.
"إذا أردت أن ترى وطنك جميلًا، فابدأ بتنظيف زاويتك أولًا."
ابدأ بنفسك، ثم بأسرتك، ثم بمحيطك.
هكذا يُبنى العراق، لا بالخطب ولا بالشعارات، بل بالصدق والإيمان والعمل.
وفي الختام،
دعوني أقول كما قال شاعرنا الكبير الجواهري:
حيّيتُ سفحَك عن بعدٍ فحيّيني
يا دجلة الخير يا أمّ البساتينِ
فليكن نهر دجلة رمزًا لوحدتنا، وليكن صوت كلّ عراقيٍّ نزيهٍ كنسمةٍ على ضفّتيه.
وليكن وعينا اليوم هو جسرنا نحو عراقٍ أجمل، عراقٍ نفاخر به الأمم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عزيزي المشاهد لا تترك الموضوع بدون تعليق وتذكر ان تعليقك يدل عليك فلا تقل الا خيرا :: كلمات قليلة تساعدنا على الاستمرار في خدمتكم ادارة الموقع ... ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )